ڪيف نربي صغآرنآ على آلٺسآمح ؟




هناك قيم أساسية لا يستطيع الإنسان أو المجتمع المسلم أن يعيش من دونها، ومن ثمَّ يجب عليه أن يصر على توريثها لأبنائه وأهمها التسامح الذي يقع على قمة الترتيب في سلم القيم النبيلة التي يجب أن يحرص على التحلي بها كل مسلم. والتسامح يحقق السعادة، وهو يعتبر قوة حينما يكون نابعاً من موقف قوة وحق، حينئذ يكون تسامحاً وعفواً عند المقدرة، فيجب أن نوضح لأبنائنا المواقف التي يكون فيها التسامح من قوة، وبالتالي يصبح سلوكاً محموداً. وقد عَدَّ القرآن الكريم هذه الصفة وغيرها طريق الفلاح التي تسرع بصاحبها إلى الجنات العلا فقال الله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران 133 ـ 134 .


وعن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك) رواه الطبراني.


ومن قصص العفو التي لا مثيل لها بين الناس، عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زعيم المنافقين عبدالله بن أبي، وقد كان عدواً لدوداً للمسلمين، يتربص بهم الدوائر، ويحالف عليهم الشيطان، ولا يجد فرصة للطعن عليهم والنيل من نبيهم إلا انتهزها، وهو الذي أشاع مقالة السوء عن أم المؤمنين عائشة، وجعل المرجفين يتهامسون بالإفك حولها، ويحاولون أن يهزوا أركان المجتمع الإسلامي هزاً بهذا الإتهام الدنيء، وتقاليد الشرق من قديم تجعل عرض المرأة في الذروة من القداسة، وتربط به كرامتها وكرامة أهلها، لذلك كان حز الألم قاسياً في نفس الرسول وأصحابه، وكانت الغضاضة من هذا التلفيق الجريء تملأ نفوسهم كآبة وغماً، حتى نزلت الآيات آخر الأمر تكشف مكر المنافقين وتفضح ما اجترحوا، وتنوه بطهر أم المؤمنين ونقاء صفحتها حيث يقول الله تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) الآية النور:11 .

ولقد أقيم الحد على من كانوا مخالب القط في هذه المأساة، أما جرثومة الشر فقد نجا.. ليستأنف كيده للمسلمين ثم كتب الله الفوز لرسوله وجنده وانكمش ابن أبي ثم مرض ومات، بعدما ملأت رائحة نفاقه كل فج، وجاء ولده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الصفح عن أبيه فصفح عنه، ثم طلب منه أن يكفن في قميصه فمنحه إياه، ثم طلب منه أن يصلي عليه ويستغفر له، فلم يرد له الرسول الكريم المتسامح هذا السؤال أيضاً، بل وقف أمام جثمان الطاعن في عرضه بالأمس يستدر له المغفرة، لكن العدالة العليا حسمت الأمر كله فنزل قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) التوبة: 80 .


والحق أنه كلما ازداد الإيمان في القلب ازدادت معه السماحة وازداد الحلم، ونفر المسلم من طلب الهلاك والنقب للمهلكين في حقه، حتى إنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادع الله على المشركين والعنهم. فقال إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا) رواه مسلم.


وعلى قدر ما يضبط المسلم نفسه، ويكظم غيظه، ويملك قوله، ويتجاوز عن الهفوات تكون منزلته عند الله تعالى.


كما أنه من الأمور الواجب الاهتمام بها في هذا المجال الإشارة إلى أن الإنسان في كل نزاع ينشب، أحد رجلين: إما أن يكون ظالماً، وإما أن يكون مظلوماً، فإن كان عادياً على غيره، ناقصاً لحقه، فينبغي أن يقلع عن غيه، وأن يصلح سيرته، ذلك نصح الإسلام لمن عليه الحق، أما من له الحق فقد رغب إليه أن يلين أو يسمح، وأن يمسح أخطاء الأمس بقبول المعذرة، عندما يجيء له أخوه معتذراً ومستغفراً، ورفض الاعتذار خطأ كبير، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه: (من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس) والمكس هو نوع خبيث من نهب المال، وبهذا الإرشاد المبين للطرفين جميعاً يحارب الإسلام الأحقاد، ويقتل جرثومتها في المهد، حيث اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منها، بل يظل يموج في جوانبها كما يموج البركان المكتوم. وبعد.. كيف يمكن غرس صفة التسامح في نفوس أبنائنا؟




ـ على الوالدين وخصوصاً الأم الاستعانة بما تعرف وتقرأ وتحفظ من تراث لتشكل وجدان طفلها إزاء هذه الصفات إن البيت هو المزرعة الأولى التي تنبت فيها بذور الشخصية وعليه فيجب تعويد الطفل على أن يكون متسامحاً لأن هناك بعض الأسر يطبعون أبناءهم على لين الجانب، ويتصف الراشدون فيهم بالحنان والعطف، بينما يدرب بعض الآباء أطفالهم على الخشونة، فينشؤون على الصلابة وقوة المراس، والمنافسة والميول العدوانية وحتى المجتمعات الحديثة، يوجد تباين بين شعوبها يعود إلى ثقافتهم فيقال أن الإنكليز يتميزون بالبرود، في حين يتميز الاسكتلنديون بالبخل، والعرب بالكرم.


ـ وسائل الإعلام: إن وسائل الإعلام وعلى رأسها التلفاز تؤثِّر على الطفل في تشغيل فكره، وفي إعمال عقله، وفي بث الضوء على التكوين النفسي والوجداني له، كما أن الصحافة تلعب دوراً كبيراً في أداء هذا الدور أيضاً، لذا فعلى الوالدين تزويد الطفل بالمجلات الدينية المتخصصة والتي تعمل على غرس هذه الصفات النبيلة في نفسه، كما يحسن تشفير القنوات التلفزيونية التي يمكن أن تقدم خطراً على السلوك النفسي والاجتماعي لأبنائنا .


ـ محيط الأصدقاء: ينبغي على الوالدين مساعدة الطفل في اختيار النوعيات الملائمة لأصدقاء طفلهما حيث إن الكثير من الأطفال يكونون خبراتهم من أصدقائهم.

---------------------------------------------
المراجع :
1 ـ محمد الغزالي، خلق المسلم، دار الريان للتراث، القاهرة، 1987.

2 ـ محمد أيوب شحيمي، مشاكل الأطفال كيف نفهمها؟ دار الفكر اللبناني، 1994.
3 ـ يسري عبدالمحسن، كيف تتعامل مع طفلك، كتاب اليوم الطبي، العدد رقم 181، أبريل، 1997.




(2012 ) 

0 التعليقات: