ღ.¸¸. حڪآيــــــــة ۈطن .¸¸.ღ



كان هنـاك تحت شجرة اللوز التي كانت و ما زالت تحتل هذه البقعة من الأرض ضاربةً جذورها في عمق التاريخ ...
حبات اللوز تتدلى كأنها درٌ منثور على صفحة من المــــــــاء الرقراق و هو كان يجلس تحتها فيا للروعة !!
لمعت عيناه فيما كانتا تحدقان بحبة لوزية تتأرجح حول عودٍ خجول لتتهادى مع نسائم عنفوانية رقيقة تهب حيناً و تغفو حيناً .....
سقطت الحبة على الأرض بجانبه ..... فتحركت فيه براءة الأطفال .... امتدت يده و التقطت الحبة بكل لطف !! .....
بسط يده ليرى الحبة عن قرب و فجأة ....
تذكرهـــــــا ...... نعم ..... لقد تذكر ( سلمى ) .....
( سلمى ) تلك الرقيقة الهادئة ..... تلك العيون اللوزية البراقة دومــــــاً ..
( سلمى ) فتاة القرية الخجولة ...... الحالمة ..
( سلمى ) بسمة فضية ...... بلسم مداوٍ لأثخن الجراح ....
و ( سلمى ) ابنة الجيران في القرية ...... آه .... في القرية .....

لقد ذهبت سلمى كما ذهب الآلاف من أهل القرية و لم و لن يعودوا .... مطلقاً !!
ذهبت ..... برصاصة واحدة من بندقية تعلمت في مدارس الحقد ..... لا تعرف سوى لغة واحدة هي ... القتل ..... الاجرام ... سفك الدمــــــاء بلا أدنى رحمة !!!

لقد ذهبت .... ماتت ... ماتت على صدره و بين يديه .... في القرية ..
أحس بأن شيئاً ما يكاد يقتله .... يقطعه إرباً ..... يطحنه .... يمزق له ما تبقى من جسده ..... آلامه و الأحلام !
لقد ذهبت و القرية ذهبت ....... و ذهب كل شيء ... نعم .... كل شيء ..
ذهب كل شيء و لم يعد له سوى هذا الجسد النحيل .... المتهالك .... برغم ما يبدو عليه من قوة ظاهرة ! .......
أحياناً ..... يحس بأن لا وجود له .... حياته لا معنى لها بدون ( سلمى ) .....
كانت هناك في القرية ....... كما أزهار الأقحوان البرية ......
كانت .... كما نجوم سماءٍ متلألئة في فضاء ليلٍ مدلهم ...
كانت .. الشيء الوحيد الحقيقي في حياته .....
كانت حبه الأبدي .... و لا زالت ..
ها هو ...... يعيش وحيداً .. هائمــــاً ... مخنوقاً .. ينتظر أقرب فرصة للحاق بسلمى ليعيشا معاً و لو للحظة !!
تحسس صدره بيديه و أخرج من جيبه منديلاً ..... أهدته إياه في القرية .... و عليه كتبت كلمات حبهما الأولى ..... تذكر ... أنها فعلت ذلك لتعبر عن حب أبدي لن يوقفه سوى شهقة الموت ...

تحسس المنديل محاولاً أن يسترجع معها كل لحظة ... كل نبضة .... بل و كل كلمة قالتها و لو للحظة !! ..... أحس بالكلمات تخرج بدون أن يتكلم ..... إحساس رهيب فعلاً ..... اقترح أن يطلق عليه اسم " كلام الصمت " ...... يا لسخافة الفكرة !!!
أحس و بدون أن يشعر بدمعة من النوع الثقيل تحاول جاهدة الخروج إلى الفضاء ..... فأراحها و سمح لها بالتدحرج عبر منعطفات صنعتها هموم زمان حقير !!! ....... ســــــــاد الصمت برهة ..
و فجأة .....
سمع أصواتاً متداخلة ...... و ضوضاء عارمة ..... فانتفض قائماً ..... و أسرع نحو المخيم .... يتحامل على جسده الكهل النحيل و يحث الخطى .......
ليعرف بأن الصهاينة قد داهموا المخيم ... صعق حين عرف الخبر .....
تذكر فوراً كيف داهم الأنجاس قريته و خطفوا ( سلمى ) منه أمام ناظريه ...... و على صدره ..... كيف ارتمت ؟؟ و لم يعرف ما يفعل لها ؟؟! ..... تذكر الموقف ...... في لحظات .....
كانت يومها ( النكبة ) .....
و لكن اليوم .... أتت ( نكسة ) نعم ..... نكسة ....
ليحتل الصهاينة ما تبقى من الوطن ..... بعدما أخذوا منهم كل شيء ......
و لم يبق سوى ضفة و ..... قطاع !!
و الآن أتوا مرة أخرى ليكملوا مسيرة احتلالهم و تم لهم ما أرادوا فلقد وقع القطاع و الضفة أسيرين في يد الصهاينة ووقعت انتفاضة شعبه الاولى .......

كان كهلاً إلا أنه أبى إلا أن يكون في اولى الصفوف ....
شارك مع أهله في دفاعهم عن الوطن ... الأرض ..... الشرف و الدين ..... نعم ..... فمعركتهم لم تكن مجرد احتلال أرض إنما احتلال عقيدة ووطن ...... اغتيال حلم ما انفك ينمو و ينمو .......
أحس بأن اليوم هو يومه لينتقم لـ ( سلمى ) ... بل لقريته .... بل لكل الأرض المحتلة .....
مرت أسابيع على الاجتياح الأول لمخيمه ....
و ما لبث الناس أن تناسوا الأمر تدريجياً ......
و عادوا لمزاولة أعمالهم كما العادة ..... و لكنه هو نفسه لم ينسه .....
و كيف ينسه ؟؟ ...... و هو الحل لكل مشاكله .... فمن خلاله سينتقم لها ؟؟
و كيف ينسه ؟؟ ..... و فكرة الانتقام لا زالت تدوي في رأسه كالصداع ؟؟!
و كيف ينسه ؟؟ ...... و كلاب العدا لازالت تسرح و تمرح !!

انضم إلى صفوف المجاهدين على الجبال ....
و أقسم ليكمل المشوار ....... و يحقق الانتصار له و لها .....
و مرة أخرى .... داهمت القوات الصهيونية المخيم .....
و انطلقت جماعات المجاهدين و الفدائيين نصرةً للوطن و الأرض .....
فكان هو من ضمنهم .....
و بدأت الاشتباكات فكان من أوائل ...... بل طليعة الثوار ..
تقدم و تقدم إلى أن أصبح بموازاة أحد الجنود الصهاينة و قبل اي حركة و بدون أي كلام باغته بضربة سكين في صدره ...... فسقط الجندي صريعاُ ..... فقال في نفسه : " هذه لك يا سلمى " ... و لكن قبل أن يتحرك من مكانه وجه إليه أحد الصهاينة بندقيته و أطلق تجاهه طلقة اخترقت قلبه المشبع بكل الحي لسلمى و للأرض و لفلسطين و العقيدة ...... و لكن قبل ان يموت استجمع كل قواه و هجم على الجندي و أرداه قتيلاً بضربة سكين أخرى و قال : " هذي لك فلسطين " .......
ووقع شهيداً من آلاف من الشهداء الذين عشقوا الوطن ..... و أحبوا بنات هذا الوطن و رجال هذا الوطن و شيوخه و أطفاله و أحلامه و آماله .......
نعم ... استشهد البطل و إلى جنات العلا ارتقى ......
و لكن قصتي .... لم تنتهي بعد !!!
فالحكاية لم تزل ......
في أولها !!!!!

 



2008 

0 التعليقات: